فصل: باب الخطبة أوسط أيام التشريق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الخطبة أوسط أيام التشريق

1 - عن سراء بنت نبهان قالت‏:‏ ‏(‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم الرؤوس فقال أي يوم هذا قلنا اللّه ورسوله أعلم قال أليس أوسط أيام التشريق‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏ وقال وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق‏.‏

2 - وعن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا‏:‏ ‏(‏رأينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم التي خطب بمنى‏)‏‏.‏

رواه أبي داود‏.‏

3 - وعن أبي نضرة ‏(‏قال حدثني من سمع خطبة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في أوسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس إلا أن أباكم واحد ألا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث سراء بنت نبهان سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في مجمع الزوائد رجاله ثقات وحديث الرجلين من بني بكر سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث أبي نضرة قال في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏سراء‏) بفتح السين المهملة وتشديد الراء والمد والقيل القصر بنت نبهان الغنوية صحابية لها حديث واحدقاله صاحب التقريب قوله‏:‏ ‏(‏يوم الرؤوس‏) بضم الراء والهمزة بعدها وهو اليوم الثاني من أيام التشريق سمى بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي قوله‏:‏ ‏(‏أي يوم هذا‏) سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله‏:‏ ‏(‏أي يوم هذا‏) سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله‏:‏ ‏(‏اللّه ورسوله أعلم‏) هذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجهل ولعلهم قالوا ذلك لانهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه كما وقع في حديث أبي بكرة المتقدم قوله‏:‏ ‏(‏عم أبي حرة‏) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء واسم أبي حرة حنيفة وقيل حكيم‏.‏ والرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة قوله ‏(‏أوسط أيام التشريق‏) هو اليوم الثاني من أيام التشريق قوله‏:‏ ‏(‏ألا ان ربكم واحد‏) الخ هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان في زمن الجاهلية لأنه إذا كان الرب واحدا وأبو الكل واحدا لم يق لدعوى الفضل بغير التقوى موجب وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها وانه لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ولا لأسود على أحمر إلا بها ولكنه قد ثبت في الصحيح ان الناس معادن كمعادن الذهب خيارهمه في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ففيه إثبات الخيار في الجاهلية ولا تقوى هناك وجعلهم الخيار في الإسلام بشرط الفقه في الدين وليس مجرد الفقه في الدين سببا لكونهم خيارا في الإسلام وإلا لما كان لاعتبار كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل فقيه في الدين من الخيار وان لم يكن من الخيار في الجاهلية وليس أيضا سبب كونهم خيارا في الإسلام مجرد التقوى وإلا لما كان لذكر كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار الجاهلية فلا شك ان هذا الحديث يدل على ان لشرافة الانساب وكرم النجار مدخلا في كون أهلها خيارا وخيار القوم افاضلهم وان لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخروي فينبغي أن يحمل حديث الباب على الفضل الأخروي ‏ـ ‏وأحاديث الباب‏ ـ‏ تدل على مشروعية الخطبة في أوسط أيام التشريق وقد قدمنا في كتاب العيدين ان من الخطب المستحبة في الحج وبينا هنالك كم يستحب من الخطب في الحج‏.‏

 باب نزول المحصب إذا نفر من منى

1 - عن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

2 - وعن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والبخاري بمعناه‏.‏

3 - وعن الزهري عن سالم ‏(‏أن أبا بكر وعمر وابن عمر وكانوا ينزلون الأبطح قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة إنها لم تكن تفعل ذلك وقالت إنما نزله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه كان منزلا اسمح لخروجه‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

4 - وعن عائشة قالت ‏(‏نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه كان اسمح لخروجه إذا خرج‏)‏‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏التحصيب ليس بشيء إنما هو منزل نزله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالمحصب‏) بمهملتين وموحدة على وزن محمد وهو اسم لمكان متسع بين جبلين وهو إلى منى أقرب من مكة سمي بذلك لكثرة ما به من الحصا من جر السيول ويسمى بالأبطح وخيف بني كنانة قوله‏:‏ ‏(‏ثم هجع هجعة‏) أي اضطجع ونام يسيرا قوله ‏(‏اسمح لخروجه‏) أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي البطىء والمقتدر ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة قوله‏:‏‏(‏ليس التحصيب بشيء‏) أن من المناسك التي يلزم فعلها‏.‏ وقد نقل ابن المنذر الخلاف في استحباب نزول المحصب مع الاتفاق انه ليس من المناسك وقد روى أحمد عن عائشة أنها قالت ‏(‏واللّه ما نزلها يعني الحصبة إلا من أجلي‏) وروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي رافع قال ‏(‏لم يأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل‏) انتهى أن النزول مستحب لتقريره صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك وفعله وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم عن ابن عمر ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشا على الكفر‏) يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفة قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤوهم ولا يبايعوهم قال الزهري والخيف الوادي‏.‏ وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا‏) فذكر نحوه وحكى النووي عن القاضي عياض أنه مستحب عند جميع العلماء قال في الفتح والحاصل ان من نفى انه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن اثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى اللّه عليه وآله وسلم لا الإلزام بذلك ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر‏.‏

 باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها

1 - عن عائشة قالت ‏(‏خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ثم رجع إليّ وهو حزين فقلت له فقال اني دخلت الكعبة ووددت أن لم أكن فعلت أني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏

2 - وعن أسامة بن زيد قال ‏(‏دخلت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم البيت فجلس فحمد اللّه واثنى عليه وكبر وهلل ثم قام إلى ما بين يديه من البيت فوضع صدره عليه وخده ويديه ثم هلل وكبر ودعا ثم فعل ذلك بالأركان كلها ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب فقال هذه القبلة هذه القبلة مرتين أو ثلاثة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

3 - وعن عبد الرحمن بن صفوان قال ‏(‏لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وسطهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

4 - وعن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت ‏(‏لعبد اللّه بن أبي أوفى أدخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم البيت في عمرته قال لا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث عائشة أخرجه أيضا وصححه ابن خزيمة والحاكم‏.‏ وحديث أسامة رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح مسلم بلفظ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يصل في البيت ولكنه كبر في نواحيه‏) وحديث عبد الرحمن بن صفوان في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج بحديثه وقد ذكر الدارقطني أن يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد ولكنه ذكر الذهبي أنه صدوق من ذوي الحفظ وذكر في الخلاصة أنه كان من الأئمة الكبار وقد تقدم الكلام فيه في غير موضع قوله‏:‏ ‏(‏وودت أني لم أكن فعلت‏) فيه دليل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه ايما كانت معه في غيره وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم وقد تقرر ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي‏.‏ وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا‏.‏ وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور وحكى القرطبي عن بعض العلماء إن دخولها من المناسك وقد ذهب جماعة من اهل العلم إلى أن دخولها مستحب ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورا له وفي إسناده عبد اللّه بن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه مالم يؤذ أحدا بدخوله ويدل على الاستحباب أيضا حديث أسامة وعبد الرحمن بن صفوان المذكوران في الباب قوله‏:‏ ‏(‏وخده ويديه‏) فيه استحباب وضع الخد والصدر على البيت وهو ما بين الركن والباب ويقال له الملتزم كما روى الطبراني عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال الملتزم ما بين الركن والباب‏.‏ وأخرجه البيهقي في شعب الأيمان من طريق أبي الزبير عن ابن عباس مرفوعا ورواه عبد الرزاق بإسناد يصح عنه وقوفا وسمى بذلك لأن الناس يلتزمونه قوله‏:‏ ‏(‏ثم فعل ذلك بالأركان كلها‏) فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان مع الهليل والتكبير والدعاء قوله ‏(‏من الباب إلى الحطيم‏) هذا تفسير للمكان الذي استلموه من البيت والحطيم هو ما بين الركن والباب كما ذكره محب الدين الطبري وغيره وقال مالك في المدونة الحطيم ما بين الباب إلى المقام وقال ابن حبيب هوما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام وقيل هو الشاذروان وقيل هو الحجر الأسود كما يشعر به سياق الحديث وسمى حطيما لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء المظلوم على الظالم وقل من حلف هنالك كاذبا غلا عجلت له العقوبة‏.‏ وفي كتب الحنفية إن الحطيم هو الموضع الذي فيه الميزاب قوله‏:‏ ‏(‏وسطهم‏) قال الجوهري تقول جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالفتح لأنه اسم قال وكل وسط يصلح فيه بين فهو وسط بالاسكان وإن لم يصلح بين فهو وسط بالفتح قال الأزهري كل ما بين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقه الناس فهو بالاسكان وما كان منضما لا يبين بعضه من بعض كالساحة الدار والراحبة فهو وسط بالفتح‏.‏ قال وقد اجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح قوله‏:‏ ‏(‏أدخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم البيت في عمرته‏) بهمزة الاستفهام قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها يعني كما ثبت في حديث ابن عباس عند البخاري وغيره ويحتمل أن يكون دخوله البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة فوق ثلاث‏.‏

 باب ما جاء في ماء زمزم

1 - عن جابر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2 - وعن عائشة ‏(‏أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يحمله‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

3 - وعن ابن عباس ‏(‏ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بشراب من عندها فقال اسقني يا رسول اللّه انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب ثم أتى زمزم وهو يستقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل يعني على عاتقه وأشار إلى عاتقه‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

4 - وعن ابن عباس ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ان آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له ان شربته تستشفي به شفاك اللّه وان شربته يشبعك أشبعك اللّه به وإن شربته لقطع ظمئك قطعه اللّه وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني والحاكم وصححه المنذري والدمياطي وحسنه الحافظ وفي إسناده عبد اللّه بن المؤمل وقد تفرد به كما قال البيهقي وهو ضعيف واعله ابن القطان به وقد رواه البيهقي من طريق اخرى عن جابر وفيها سويد بن سعيد وهو ضعيف جدا وان كان مسلم قد أخرجه له فإنما أخرج له في المتابعات قال الحافظ وأيضا فكان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه وكذلك أمر أحمد ابن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ولما عمي صار يلقن فيتلقن وقال يحيى بن معين لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير وأخرجه الطبراني من طريق ثالثة‏.‏ وحديث عائشة أخرجه البيهقي والحاكم وصححه‏.‏ وحديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من طريق ابن أبي مليكة قال ‏(‏جاء رجل إلى ابن عباس فقال من أين جئت قال شربت من ماء زمزم قال ابن عباس أشربت منها كما ينبغي قال وكيف ذاك يا ابن عباس قال إذا شربت منا استقبل القبلة واذكر اسم اللّه وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد اللّه فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال آية بيننا وبين المنافقين انهم لا يتضلعون من زمزم‏) وحديثه الثاني أخرجه أيضا الحاكم وزاد الدارقطني على ما ذكره المصنف ‏(‏وان شربته مستعيذا أعادك اللّه قال فكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال اللّهم أني سألت علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء‏)‏‏.‏ وهذا الحديث هو من طريق محمد بن سعيد الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال في التلخيص والجارودي صدوق الا ان روايته شاذة فقد رواه حفاظ أصحاب ابن عيينة كالحميدي وابن أبي عمر وغيرهما عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد من قول ابن عباس ومما يقوي الرفع ما أخرجه الدينوري في المجالسة قال كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال يا أبا محمد الحديث الذي حدثتنا به عن ماء زمزم صحيح قال نعم قال فأني شربته الآن لتحدثني مائة حديث قال اجلس فحدثه مائة حديث ـ وفي الباب ـ عن أبي ذر مرفوعا عند أبي داود الطيالسي في مسنده قال زمزم مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم‏.‏ وعن جابر غير حديث الباب عند مسلم ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شرب منه‏) قوله ‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏) فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر ضربه لاجله سواء كان من أمور الدنيا أو الأخرة لأن ما في قوله لما شرب له من صيغ العموم قوله‏:‏ ‏(‏كان يحمله‏) فيه دليل على أنه لابأس بحمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة قوله‏:‏ ‏(‏لولا أن تغلبوا‏) وذلك بأن يظن الناس أن النزع سنة فينزع كل رجال لنفسه فيغلب اهل السقاية عليها وفي هذا الحديث استحباب الشرب من ماء زمزم وما قيل من أن الشرب جبلي فلا يدل على الاستحباب إذا تأسى في الجبلي مدفوع بأن القصد إلى ذلك المحل والأمر بالنزع وإعطاء أسامة الفضلة ليشربها من غير أن يستدعي الماء كما في صحيح مسلم مما يدل على أن الشرب للفضيلة لا للحاجة‏.‏ قوله ‏(‏لا يتصلعون‏) أي لا يرون من ماء زمزم قال في القاموس وتضلع امتلأ شبعا أوريا حتى بلغ الماء أضلاعه انتهى‏.‏ قوله ‏(‏هزمه‏) بالزاي أي حفرة جبريل لأنه ضربها برجله فنبع الماء قال في القاموس هزمه يهزمه غمزه بيده فصارت فيه حفرة ثم قال والهزائم البئار الكبيرة الغزر الماء‏.‏ قوله ‏(‏وسقيا اسمعيل‏) أي أظهره اللّه ليسقى به اسمعيل في أول الأمر‏.‏

 باب طواف الوداع

1 - عن ابن عباس قال ‏(‏كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال ‏) رسول اللّه لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏ وفي رواية ‏(‏أمر الناس أن كون آخر عهدهم بالبيت لا أنه خفف عن المرأة الحائض‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - عن عائشة ‏(‏قالت حاضت صفية حيى بعدما أفاضت قالت فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أحابستنا هي قلت يا رسول اللّه إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال فلتنفر إذن‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏لا ينفر أحد‏) الخ فيه دليل على وجوب طواف الوداع قال النووي وهو قول أكثر العلماء ويلزم بتركه دم‏.‏ وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه‏.‏ قال الحافظ والذي رأيته لابن المنذر في الأوسط أنه واجب للأمر به إلا إنه لا يجب بتركه شيء انتهى‏.‏ وقد اجتمع في طواف الوداع أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم به وتهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب ولا شك إن ذلك يفيد الوجوب قوله‏:‏ ‏(‏أمر الناس‏) بالبناء على مالم يسم فاعله وكذا قوله حفف قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة‏) قال ابن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة‏.‏ وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم ابن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت الا عمر‏.‏ وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي عن عمر أه قال ليكن آخر عهدها بالبيت وفي رواية كذلك حدثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ واستدل الطحاوي بحديث عائشة على نسخ حديث عمر في حق الحائض‏:‏ وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سلمة عند أبي داود الطالسي أنها قالت حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن انفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تنفر‏.‏ ورواه سعيد بن منصور في كتاب المناسك وإسحاق في مسنده والطحاوي وأصله في البخاري ويؤيد ذلك ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر قال ‏(‏من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض لهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏) قوله‏:‏ ‏(‏فاتنفر اذن‏)‏ أي فلا حبس علينا حينئذ لانا قد أفاضت فلامانع من التوجه والذي يجب عليها قد فعلته وفي رواية للبخاري فلا بأس انفري وفي رواية له أخرجي وفي رواية فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة وتعقب باحتمال أن يكون صلى اللّه عليه وآله وسلم أراد بتأخير الرحيل اكرام صفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة‏.‏ وأما ما أخرجه البزار من حديث جابر والثقفي في فوائده من حديث أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا باميرين من تبع جنازة فليس ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل الطواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ففي إسناد كل واحد منا ضعيف شديد الضعيف كما قال الحافظ‏.‏

 باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أوحج أو عمرة يكبرعلى كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون‏.‏ صدق اللّه وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرف‏) هو المكان العالي كما في القاموس وغيره وفي رواية لمسلم ‏(‏كان إذا أوفى على ثنية أوفد وفد كبر‏)

قوله‏:‏ ‏(‏آيبون‏) أي راجعون وهو وما بعده اخبار لمبتدأ مقدر أي نحن آيبون الخ قوله‏:‏ ‏(‏صدق اللّه وعده‏) أي في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك مما وعد به سبحانه أن اللّه لا يخلف الميعاد قوله‏:‏ ‏(‏وهزم الأحزاب وحده‏) أي من غير قتال من الآدمين والمراد بالأحزاب الذي اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على صلى اللّه عليه وآله وسلم كما تقدم فأرسل اللّه عليهم ريحا وجنودا وهذا هو المشهور إن المراد بالأحزاب أحزاب يوم الخندق‏.‏ قال القاضي عياض ويحتمل ان المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن والحديث فيه استحباب التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض يعلوه الراجع إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزو‏.‏

 باب الفوات والاخصار

1 - عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو قال ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏ وفي رواية لأبي داودوابن ماجه ‏(‏من عرج أو كسر أومرض‏) فذكر معناه‏.‏ وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي ‏(‏من حبس بكسر أو مرض‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن عمر ‏(‏أنه كان يقول اليس حسبكم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ان حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم ان لم يجد هديا‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي‏.‏

3 - وعن عمر بن الخطاب ‏(‏أنه أمر أبا أيوب صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهبار بن الأسود حين فلهما الحج فاتيا يوم النحر بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجا عاما قابلا ويهديا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله‏)‏‏.‏

4 - وعن سليمان بن يسار ‏(‏إن ابن حزابة المخزومي صرع ببعض طرق مكة وهومحرم بالحج فسأل عن الماء الذي كان فوجد عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير ومروان ابن الحكم فذكر لهم الذي عرض له وكلهم امره أن يتداوى بمالابد منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من احرامه ثم عليه ان يحج قابلا ويهدي‏(‏‏.‏

5 - وعن ابن عمر ‏(‏أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت‏)‏‏.‏

وهذه الثلاثة لمالك في الموطأ‏.‏

6 - وعن ابن عباس قال ‏(‏لاحصر الا حصر العدو‏)‏‏.‏

رواه الشافعي في مسنده‏.‏

حديث الحجاج بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي‏.‏ وأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم والبيهقي‏.‏ وأثر عمر بن الخطاب أخرجه أيضا البيهقي وأخرج عن عمر أنه أمر من فاته الحج أن يهل بعمرة وعليه الحج من قابل وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت مثله‏.‏ وأخرج نحوه عن عمر من طريق أخرى‏.‏ والأثر الذي رواه سليمان بن يسار رواه مالك عن يحيى بن سعيد عنه ولكن سليمان بن يسار لم يدرك القصة‏.‏ وأثر ابن عمر الحافظ إسناده‏.‏

قوله ‏(‏من كسر‏) بضم الكاف وكسر السين‏.‏

قوله ‏(‏أو عرج‏) بفتح المهملة والراء أي أصابه شيء في رجله وليس يخلقة فإذا كان خلقة قيل عرج بكسر الراء‏.‏

قوله ‏(‏فقد حل‏) تمسك بظاهر هذا أبو ثور وداود فقالا أنه يحل في مكانه بنفس الكسر والعرج وأجمع بقية العلماء على انه يحل من كسر أو عرج ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلام يحمل هذا الحديث فقال أصحاب الشافعي أنه يحمل على ما إذا شرط التحلل به فإذا وجد الشرط صار حلالا ولا يلزم الدم وقال مالك وغيره يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره ومن خالفه من الكوفيين يقول يحل بالنية والذبح والحلق وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏ قوله ‏(‏أو مرض‏) الاحصار لا يختص بالأعذار المذكورة بل كل عذر حكمه حكمها كاعواز النفقة والضلال في الطريق وبقاء السفينة في البحر وبهذا قال كثير من الصحابة قال النخعي والكوفيون الحصر بالكسر والمرض والخوف وقال آخرون منهم مالك والشافعي وأحمد لا حصر الا بالعدو وتمسكوا بقول ابن عباس المذكور في الباب وحكى ابن جرير قولا أنه لا حصر بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والسبب في هذا الاختلاف أنهم اختلفوا في تفسير الاحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم ان الاحصار إنما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو الحصر وقال بعضهم ان احصر حصر بمعنى واحد قوله‏:‏ ‏(‏سنة نبيكم‏)‏ قال عياض ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص وعلى اضمار فعل أي تمسكوا وشبهه وخبر حسبكم طاف بالبيت ويصح الرفع على ان سنة خبر حسبكم أو الفاعل وحسبكم بمعنى الفعل ويكون ما بعدهما تفسيرا للسنة‏.‏ وقال السهيلي من نصب سنة فهو باضمار الامر كانه قال الزموا سنة نبيكم‏.‏ قوله ‏(‏طاف بالبيت‏) أي إذا أمكنه ذلك وقع في رواية عبد الرزاق ان حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل طاف‏.‏ قوله ‏(‏حتى يحج عاما قابلا‏) استدل به على وجوب الحج من القابل على من أحصر وسيأتي الخلاف فيه‏.‏ قوله ‏(‏فيهدي‏) فيه دليل على وجوب الهدى على المحصر ولكن الاحصار الذي وقع في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما في العمرة فقاس العلماء الحج على ذلك وهو من الالحاق بنفي الفارق وإلى وجوب الهدى ذهب الجمهور وهو ظاهر الأحاديث الثابتة عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه فعل ذلك في الحديبية ويدل عليه قوله تعالى ‏{‏فإن احصرتم فما استيسر من الهدى‏}‏ وذكر الشافعي انه لا خلاف في ذلك في تفسير الآية وخالف في ذلك مالك فقال أنه لا يجب الهدى على المحصر وعول على قياس الاحصار على الخروج من الصوم للعذر والتمسك بمثل هذا القياس في مقابل ما يخالفه من القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن حزابة‏) بضم الحاء المهملة وبعدها زاي ثم بعد الألف موحدة ‏.‏

قوله ‏(‏فسأل على الماء‏) هكذا في بعض نسخ هذا الكتاب وفي بعضها عن الماء وفي نسخة صححيحة من الموطأ على الماء ومنسخ ‏ـ ‏هكذا الأصل ولا وعنى ولعله ونسخ بعن أو في نسخة بعن فليحرر‏ـ بعن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوجد‏) هذه اللفظة ثابتة في نسخة من هذا الكتاب وهي ثابتة في الوطأ ‏.‏ وقد استدل بالآثار المذكورة في الباب على وجو ب الهدى وان الاحصار لا يكون الا بالخوف من العدو وقد تقدم البحث عن ذلك وعلى وجوب القضاء وسيأتي‏.‏

 باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم الحلق حيث أحصر من حل أو حرم وإنه لا قضاء عليه

1 - عن المسور ومروان في حديث عمرة الحديبية والصلح ‏(‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما فرغ الكتاب قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏ وللبخاري عن المسور‏(‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر قيل أن يحلق وأمر اصحابه بذلك‏)‏‏.‏

2 - وعن المسور ومروان قالا ‏(‏قلد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الهدى وأشعره بذي الحليفة وأحرم منها بالعمرة وحلق بالحديبية في عمرته وأمر أصحابه بذلك ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن ابن عباس قال ‏(‏إنما البدل على من نقض حجة التلذذ فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع وإن كان معه هدى وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدى محله‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدى إلى البيت ثم لم يذكروا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم‏)‏‏.‏ كل هذا كلام البخاري في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانحروا ثم احلقوا‏) فيه دليل على أن المحصر يقدم النحر على الحلق ولا يعاض هذا ما وقع في رواية للبخاري ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حلق وجامع نساءه ومحر هديه‏) لأن العطف بالواو إنما هو لمطلق الجمع ولا يدل على الترتيب فإن قدم الحلق على النحر فروى ابن أبي شيبة عن علقمة ان عليه دما وعن ابن عباس مثله والظاهر عدم وجوب الدم لعدم الدليل‏.‏ قوله ‏(‏إنما البدل‏) الخ بفتح الباء الموحدة والمهملة أي القضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة وهذا قول الجمهور كما في الفتح وقال في البحر أن على المحصر القضاء اجماعا في الفرض العترة وأبو حنيفة وأصحابه وكذا في النفل انتهى‏.‏ وعن أحمد روايتان واحتج الموجبون للقضاء بحديث الحجاج ابن عمر والسالف وهو نص في محل النزاع وبحديث ابن عمر المتقدم لقوله فيه حتى يحج عاما قابلا فيهدى بعد قوله حسبكم سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وبما تقدم من الآثار وقال الذين لم يوجبوا القضاء لم يذكر اللّه تعالى القضاء ولو كان واجبا لذكره وهذا ضعيف لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم قالوا ثانيا قول ابن عباس يدل على عدم الوجوب ويجاب بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع قالوا ثالثا لم يأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أحدا ممن أحصر معه في الحديبية بأن يقضي ولو لزمهم القضاء لأمرهم قال الشافعي إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين قريش لا على أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه ولكنه يعارضه ما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أصحابه ان يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات وخرج جماعة معه معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين قال في الفتح ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا لغير عذر‏.‏ وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه انتهى‏.‏ ويمكن أن يقال أن ترك أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لا ينتهض لمعارضة ماتقدم مما يدل على وجوب القضاء لان ترك الأمر ربما كان لعلمهم بوجوب القضاء على من احصر بدليل آخر كحديث الحجاج بن عمرو لأن حكم الحج والعمرة واحد بقي ههنا شيء هو إن قوله وعليه الحج من قابل وقوله وعليه حجة أخرى يمكن أن يكون المراد به تأدية الحج المفروض أو ما كان يريد اداءه في عام الاحصار لا أنه القضاء المصطلح عليه لأنه لم يسبق ما يوجبه بل غاية ما هناك أنه منعه عن تأدية ما أراد فعله مانع فعليه فعله ولا يسقط بمجرد عروض المانع وتعيين العام القابل يدل على أن ذلك على الفور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالتلذذ‏) بمعجمتين وهو الجماع‏.‏ قوله ‏(‏فأما من حبسه عدو‏) هكذا في نسخ هذا الكتاب عدو بفتح العين المهملة وضم الدال المهملة أيضا والواو وهي رواية أبي ذر في صحيح البخاري ورواه الأكثر بضم العين وسكون الذال المعجمة والراء مكان الواو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحره‏) قد وقع الخلاف بين الصحابة فمن بعدهم في محل نحر الهدى للمحصر فقال الجمهور وذبح الهدى حيث يحل سواء كان في الحل أو الحرم وقال أبوحنيفة لا يذبحه إلا في الحرم وبه قال جماعة من أهل البيت منهم الهادي وفصل آخرون كما قال ابن عباس قال في الفتح وهو المعتمد قال وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم هل نحر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ لم يذكر المصنف رحمه اللّه تعالى في كتابه هذا زيارة قبل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان الموطن الذي يحسن ذكرها فيه كتاب الجنائز ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل العلم في كتاب الحج فاحببنا ذكرها ههنا تكميلا للفائدة وقد اختلفت فيها أقوال أهل العلم فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة وقالت الحنفية إنها قريبة من الواجبات‏.‏ وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة وتبعه على ذلك بعض الحنابلة وروى ذلك عن مالك والجوبني والقاضي عياض كما سيأتي احتج القائلون بإنها مندوبة بقوله تعالى ‏{‏ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول‏}‏ الآية ووجه الاستدلال بها أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث ‏(‏الأنبياء أحياء في قبورهم‏) وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزأ قال الأستاذ أو منصور البغدادي قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم حي بعد وفاته انتهى‏.‏ ويؤيد ذلك ما ثبت إن الشهداء أحياء يرزقون في قبورهم والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم منهم وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجئ إليه بعد الموت كالمجئ إليه قبله ولكنه قد ورد إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث وروى فوق أربعين فإن صح ذلك قدع في الاستدلال بالآية ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ترد إليه روحه عند التسليم عليه نعم حديث ‏(‏من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي‏) الذي سيأتي إن شاء اللّه تعالى إن صح فهو الحجة في المقام واستدلوا ثانيا بقوله تعالى ‏{‏ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله‏}‏ الآية والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته كذلك الوصول بعد موته ولكنه لا يخفى إن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في الوصول إلى حضرته بعد موته منها النظر إلى ذاته الشريفة وتعلم أحكام الشريعة منه والجهاد بين يديه وغير ذلك واستدلوا ثالثا بالأحاديث الواردة في ذلك منها الأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم داخل في ذلك دخولا أوليا وقد تقدم ذكرها في الجنائز‏.‏

وكذلك الأحاديث الثابتة من فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في زيارتها‏.‏ ومنها أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف أخرج الدارقطني عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال قال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي‏) وفي إسناده الرجل المجهول وعن ابن عمر عند الدارقطني أيضا قال قال فذكر نحوه ورواه أبو يعلى في مسنده وابن عدي في كامله وفي إسناده حفص بن أبو داود وهو ضعيف الحديث وقال أحمد فيه أنه صالح‏.‏ وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثله قال الحافظ وفي طريقه من لا يعرف وعن ابن عباس عند العقيلي مثله وفي إسناده فضالة بن سعد المازني وهو ضعيف‏.‏ وعن ابن عمر حديث آخر عند الدارقطني بلفظ ‏(‏من زار قبري وجبت له شفاعتي‏) وفي إسناده موسى بن هلال العبدي قال أبو حاتم مجهور أي العدالة ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه وقال إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده شيئا وأخرجه أيضا البيهقي وقال العقيلي لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ولا يصح في هذا الباب شيء وقال أحمد لا بأس به وأيضا قد تابعه عليه مسلمة بن سالم كما رواه الطبراني من طريقه وموسى بن هلال المذكور رواه عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع وهوثقة من رجال الصحيح وجزم الضياء المقدسي والبيهقي وابن عدي وابن عساكر بأن موسى رواه عن عبد اللّه بن عمر المكبر وهوضعيف ولكنه قد وثقه ابن عدي وقال ابن معين لا بأس به وروى له مسلم مقرونا بآخر‏.‏ وقد صحح هذا الحديث ابن السكن وعبد الحق وتقي الدين السبكي‏.‏ وعن ابن عمر عند ابن عدي والدارقطني وابن حبان في ترجمة النعمان بلفظ ‏(‏من حج ولم يزرني فقد جفاني‏) وفي إسناده النعمان بن شبل وهو ضعيف جدا ووثقه عمران بن موسى‏.‏ وقال الدارقطني الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا عليه ورواه أيضا البزار وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف ورواه البيهقي عن عمر قال وإسناده مجهول وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ ‏(‏من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة‏) وفي إسناده سليمان بن زيد الكعبي ضعفه ابن حبان الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وعن عمر عند أبي داود الطيالسي بنحوه وفي إسناده مجهول وعن عبد اللّه بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ ‏(‏من حج حجة الأسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله اللّه فيما افترض عليه‏) وعن أبي هريرة بنحو حديث حاطب المتقدم‏.‏ وعن ابن عباس عند العقيلي بنحوه وعنه في مسند الفردوس بلفظ ‏(‏من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان‏) وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن ابن عساكر ‏(‏من زار قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان في جواره‏) وفي إسناده عبد الملك بن هرون بن عنبرة وفيه مقال‏.‏

قال الحافظ وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا ‏(‏ما من أحد يسلم علي إلا رد اللّه علي روحي حتى أرد عليه السلام‏) وبهذا الحديث صدر البيهقي الباب ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره بل ظاهره أعم من ذلك وقال الحافظ أيضا أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة وقد رويت زيارته صلى اللّه عليه وآله وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عن ابن عساكر بسند جيد وابن عمر عند مالك في الموطأ وأبو أيوب عند أحمد وأنس ذكره عياض في الشفاء وعمر عند البزار وعلي عليه السلام عند الدارقطني وغير هؤلاء ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال لأنه روى نه أنه رأى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بداريا يقول يقول له ما هذه الفجوة يا بلال أما آن لك أن تزورني روى ذلك ابن عساكر واستدل القائلون بالوجوب بحديث ‏(‏من حج ولم يزرني فقد جفاني‏) وقد تقدم قالوا والجفاء للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم محرم فتجب الزيارة لءلا يقع في المحرم وأجاب عن ذلك الجمهور بأن الجفاء يقال على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة وعلى غلط الطبع كما في حديث ‏(‏من بدا فقد جفا‏) وأيضا الحديث على إنفراد مما لا تقوم به الحجة لما سلف واحتج من قال بأنها غير مشروعة بحديث ‏(‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد‏) وهو في الصحيح وقد تقدم وحديث لا تتخذوا قبري عيدا رواه عبد الرزاق قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في شد الرحل لغير الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة فذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى حرمته وأشار عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره قالوا والمراد أن الفضيلة الثابتة إنما هي شد الرحل إلى هذه الثلاثة خاصة انتهى‏.‏ وقد أجاب الجمهور عن حديث شد الرحل بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي قالوا والدليل على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث ‏(‏لا ينبغي للمطي أن يشدر حالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى‏) فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي وأجابوا ثانيا بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا وعلى وجوبه إلى عرفة للوفوق وغلى منى للمناسك التي فيها والي مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر وعلى استحبابه لطلب العلم وأجابوا عن الحديث ‏(‏لا تتخذوا قبري عيدا‏) بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة لا على منعها وأنه لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين ويؤيده قوله ‏(‏لا تجعلوا بيوتكم قبورا‏) أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا قال الحافظ المنذري وقال السبكي معناه أنه لا تتخذوا لها وقتا خصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه أو لا تتخذوا كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للّهو وغيره كما يفعل في الأعياد بل لا يؤتى إلا للزيارة والدعاء والسلام والصلاة ثم ينصرف عنه وأجيب عما روى عن مالك من القول بكراهة زيارة قبره صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنه إنما قال بكراهة زيارة قبره صلى اللّه عليه وآله وسلم قطعا للذريعة وقيل إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأن الزيارة من شاء نعلها ومن شاء تركها وزيارة قبره صلى اللّه عليه وآله وسلم من السنن الواجبة كذا قال عبد الحق واحتج أيضا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب لوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا‏.‏

أقول وللعلامة ابن تيمية حفيد المثنف هنا كلام حصل له محن في زمنه لأجله وسجن هو رضي اللّه عنه وتلميذه ابن القيم رحمهما اللّه تعالى ومنع شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين مستد لابقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد‏)‏ الحديث وبين ضعف احاديث ‏(‏من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي‏)‏ ورد عليه العلامة تقي الدين السبكي في مؤلف وأتى بأحاديث الزيارة مروية بسنده إلى اصولها من غير ورد عليه العلامة المقدسى في مؤلف كبير بين ضعف سندها ومتنها بما يكفي ويشفي وسماه الصارم المنكى في الرد على السبكى، وحاصل ما قاله الامام ابن تيمية في رد أحاديث الزيارة ان الاحاديث الواردة في زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم

كلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحنج أحد من الإئمة بشيء منها بل مالك أمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عليه ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يكرهه عالم المدينة‏.‏ والإمام أحمد بن حنبل رضي اللع عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال ما من رجل يسلم على إلا رد اللّه على روحي حتى أرد عليه السلام‏) وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ‏.‏ روى عبد اللّه بن عمر انه كان إذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول اللّه السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف وفي سنن أبي داود عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انه قال ‏(‏لاتتخذوا قبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني‏)‏ وفي سنن سعيد بن منصور أن عبد اللّه بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رأى رجلا يختلف إلى قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويدعو عنده فقال يا هذا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء‏.‏ ولما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مسجدا دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا فيتخذ قبره وثنا ‏.‏ ولما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك كان الصحابة والتابعون لا يدخل أحد منهم لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا دعاء هناك بل هذا جميهع إنما يفعلونه في المسجد وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا مستقبليه القبلة ما لم يستقبل القبر وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الإئمة أنه كان يستقبل القبر ند الدعاء الأحكاية مكذوبة تروى عن مالك ومذهبه بخلافها، واتفق اللإئمة على أنه لا يتمسح بقبر صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا قال طائفة من السلف في قوله تعالى ‏{‏وقالوا لا تذرن إلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا‏}‏ قال هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على شصورهم تماثيل ثم طال عليهم الأبد فعبدوها من وضع الأحاديث في السفر لزيتارة المشاهد التي على القبور أهل البدع الرافضة ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد يشرك فيها ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل اللّه به سلطانا فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد واللّه أعلم اهـ‏.‏ من الفتاوى ببعض تصرف وهذا كله في شد الرجال وأما الزيارة فمشروعة بدونه‏.‏